الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
السلطان الملك الصالح ثم المنصور حاجي ابن السلطان الملك الأشرف شعبان ابن الأمير الملك وقد تقدم ذكر نسبه أيضًا في سلطنته الأولى. وكان سبب عوده للملك أنه لما وقع ما حكيناه من خروج الأمير يلبغا الناصري وتمربغا الأفضلي المدعو منطاش بمن معهما على الملك الظاهر برقوق ووقع ما حكيناه من الحروب بينهم إلى أن ضعف أمر الملك الظاهر واختفى وترك ملك مصر واستولى الأمير الكبير يلبغا الناصري على قلعة الجبل وكلمه أصحابه على أنه يتسلطن فلم يفعل وأشار بعود الملك الصالح هذا وقال: إن الملك الظاهر برقوقا خلعه بغير سبب وطلب أكابر الأمراء من أصحابه مثل الأمير منطاش المقدم ذكره والأمير بزلار العمري الناصري والأمير قرادمرداش الأحمدي وغيرهم وكلمهم في عود الملك الصالح إلى السلطنة ثانيًا. فأجاب الجميع وطلعوا من الإسطبل السلطاني إلى الحوش من قلعة الجبل وجلس الأتابك يلبغا الناصري به وطلب الملك الصالح هذا من عند أهله وقد حضر الخليفة والقضاة وبايعوه بالسلطنة وألبسوه خلعتها. وركب من الحوش بأبهة الملك وشعار السلطنة إلى الإيوان بقلعة الجبل والأمراء المذكورون مشاة بين يديه. وأجلسوه على تخت الملك وغيروا لقبه بالملك المنصور ولم نعلم بسلطان تغير لقبه قبله ولا بعده فإنه كان لقبه أولًا الصالح وصار الآن في سلطنته الثانية المنصور. وقلده الخليفة أمور الرعية على العادة وقبل الأمراء الأرض بين يديه ودقت النواقيس والكوسات ونودي باسمه بالقاهرة ومصر وبالأمان والدعاء ثم قام الملك المنصور إلى القصر وسائر أرباب الدولة بين يديه. واستقر الأمير الكبير يلبغا الناصري أتابك العساكر بالديار المصرية ومدبر المملكة وصاحب حلها وعقدها ففي الحال أمر الناصري للأمير ألطنبغا الأشرفي والأمير أرسلان اللفاف وقراكسك والأمير أردبغا العثماني أن يكونوا عند السلطان الملك المنصور بالقصر وأن يمنعوا من يدخل عليه من التركمان وغيرهم. ونزل الأتابك يلبغا الناصري إلى الإسطبل السلطاني حيث هو سكنه وخلع على الأمير حسام الدين حسين بن علي بن الكوراني بولاية القاهرة على عادته أولًا فسر الناس بولايته. وتعين الصاحب كريم الدين بن عبد الكريم بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس مشير الدولة وأخوه فخر الدين عبد الرحمن لنظر الدولة على عادته وأخوهما زين الدين لنظر الجهات وأعاد جميع المكوس التي أبطلها الملك الظاهر برقوق. ثم نودي بالأمان للمماليك الجراكسة وأن جميع المماليك والأجناد على حالهم وأن الأمير الكبير لا يغير على أحد منهم شيئًا مما كان فيه ولا يخرج عنه إقطاعه. ثم في يوم الأربعاء سادس الشهر قمم الأمير ألطنبغا الجوباني نائب الشام كان والأمير ألطنبغا المعلم أمير سلاح كان والأمير قردم الحسني رأس نوبه النوب كان من سجن الإسكندرية وطلعوا إلى السلطان وترحب بهم الأمير الكبير يلبغا الناصري. ثم نودي ثانيًا بالقاهرة بأن من ظهر من المماليك الظاهرية فهو على حاله باق على إقطاعه ومن اختفى منهم بعد النداء حل ماله ودمه للسلطان. ثم رسم الأمير الكبير للأمير سودون الفخري الشيخوني نائب السلطان للديار المصرية بلزوم بيته وأما محمود الأستادار فإنه توجه إلى كريم الدين بن مكانس وترامى عليه فتكلم ابن مكانس في أمره مع الأمير الكبير وأصلح شأنه معه على مال يحمله للأمير الكبير يلبغا الناصري وجمع بينهما فأمنه الناصري ونزل إلى داره. ثم في ثامن جمادى الآخرة المذكورة اجتمع الأمراء في الخدمة السلطانية على العادة فأغلق باب القلعة وقبض على تسعة من الأمراء المقدمين وهم: الأمير سودون الفخري الشيخوني النائب المقدم ذكره وسودون باق وسودون طرنطاي وشيخ الصفوي وقجماس الصالحي ابن عم الملك الظاهر برقوق وأبو بكر بن سنقر وآقبغا المارديني حاجب الحجاب وبجاس النوروزي ومحمود بن علي الأستدار المقدم ذكره أيضًا. وقبض أيضًا على جماعة من أمراء الطبلخانات وهم: عبد الرحمن بن منكلي بغا الشمسي وبوري الأحمدي وتمربغا المنجكي ومنكلي الشمسي الطرخاني ومحمد بن جمق بن أيتمش البجاسي وجرجي وقرمان المنجكي وحسن خجا وبيبرس التمان تمري وأحمد الأرغوني وأسنبغا الأرغون شاهي وقنق باي اللالا السيفي ألجاي وجرباش الشيخي الظاهري وبغداد الأحمدي ويونس الرماح وبرسبغا الخليلي وبطا الطولوتمري الظاهري ونوص المحمدي وتنكز العثماني وأرسلان اللفاف وتنكز بغا السيفي وألطنبغا شادي وآقبغا اللاجيني وبلاط المنجكي وبجمان المحمدي وألطنبغا العثماني وعلي بن آقتمر من عبد الغني وإبراهيم بن طشتمر الدوادار وخليل بن تنكز بغا ومحمد بن الدواداري وحسام الدين حسين بن علي الكوراني والي القاهرة وبلبل الرومي الطويل والطواشي صواب السعدي المعروف بشنكل مقدم المماليك والطواشي مقبل الزمام الرومي الدواداري. ثم قبض على نيف وثلاثين أمير عشرة وهم: أزدمر الجوكاني وقماري الجمالي وجلبان أخو مامق وقرطاي السيفي من ألجاي اليوسفي وآقبغا بوري الشيخوني وصلاح الدين محمد بن تنكز بغا وعبدوق العلائي وطولو بغا الأحمدي ومحمد بن أرغون شاه الأحمدي وإبراهيم ابن الشيخ علي بن قرا وغريب بن حاجي وأسنبغا السيفي وأحمد بن حاجي بك بن شادي وآقبغا الجمالي الهيدباني الظاهري وأمير زاده بن ملك الكرج وجلبان الكمشبغاوي الظاهري قراسقل وموسى بن أبي بكر بن رسلان أمير طبر وقنق باي الأحمدي وأمير حاج بن أيتمش وكمشبغا اليوسفي ومحمد بن اقتمر الصاحبي الحنبلي النائب وآقبغا الناصري حطب ومحمد بن سنقر المحمدي وبهادر الفخري ومحمد بن طغاي تمر النظامي ويونس العثماني وعمر بن يعقوب شاه وعلي بن بلاط الكبير ومحمد بن أحمد بن أرغون النائب ومحمد بن بكتمر الشمسي وألجيبغا الدوادار ومحمد بن يونس الدوادار وخليل بن قرطاي شاد العمائر ومحمد بن قرطاي نقيب الجيش وقطلوبك أمير جاندار وعلى جماعة كبيرة من المماليك الظاهرية. ثم شفع بجماعة من الأمراء فأفرج عنهم منهم: صواب مقدم المماليك المعروف بشنكل والطواشي مقبل الدواداري الزمام وحسين بن الكوراني الوالي وجماعة أخر وأخرج قجماس ابن عم الملك الظاهر برقوق على البريد إلى طرابلس. وفيه نودي بالقاهرة ومصر: للأمن أحضر السلطان الملك الظاهر برقوق إلى الأمير الكبير يلبغا الناصري إن كان عاميًا خلع عليه وأعطي ألف دينار وإن كان جنديًا أعطي إمرة عشرة بالديار المصرية وإن كان أمير عشرة أعطي طبلخاناه وإن كان طبلخاناه أعطي تقدمة ألف. ومن أخفاه بعد ذلك شنق وحل ماله ودمه للسلطان. ثم في ليلة الجمعة حملوا الأمراء المسجونون بقلعة الجبل إلى ثغر الإسكندرية ما خلا الأمير محمود الأستدار وبقيت المماليك الظاهرية في الأبراج متفرقة بقلعة الجبل. ثم أطلق الأمير آقبغا المارديني حاجب الحجاب وأخرج من سجنه ونقل في الحراقة لشفاعة صهره الأمير أحمد بن يلبغا العمري أمير مجلس فيه فرد معه أرسلان اللفاف ومحمد بن تنكر إذ شفع فيهما أيضًا بعض الأمراء. وفيه أيضًا نودي على الملك الظاهر برقوق وهدد من أخفاه فكثر الدعاء من العامة للملك الظاهر برقوق وكثر الأسف على فقده وثقلت أصحاب الناصري على الناس ونفروا منهم فصارت العامة تقول: راح برقوق وغزلانه وجاء الناصري وتيرانه. ثم قبض الناصري على الطواشي بهادر الشهابي مقدم المماليك كان الذي كان الملك الظاهر عزله من التقدمة ونفاه إلى طرابلس فحضر مع الناصري من جملة أصحابه فاتهم أنه أخفى الملك الظاهر برقوقًا فنفي إلى المرقب وختم على حواصله ونفي معه أسنبغا المجنون. وفي ثاني عشرة سجن محمود الأستدار وهو مقيد بالزردخاناه. وفيه ألزم الأمير الكبير يلبغا الناصري حسين بن الكوراني الوالي بطلب الملك الظاهر برقوق وخشن عليه في الكلام بسببه فنزل ابن الكوراني من وقته وكرر النداء عليه بالقاهرة ومصر وهدد من أخفاه بأنواع العذاب والنكال. هذا وقد كثر فساد التركمان أصحاب الناصري بالقاهرة وأخذوا النساء من الطرقات ومن الحمامات ولم يتجاسر أحد على منعهم. وفيه قلع العسكر السلاح من عليهم ومن على خيولهم وكانوا منذ دخولهم وهم بالسلاح إلى هذا اليوم. وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الآخرة غمز على الملك الظاهر برقوق من بيت أبي يزيد. وأمره أنه لما نزل بالإسطبل بالليل سار على قدميه حتى وصل إلى بيت أبي يزيد أحد أمراء العشرات واختفى بداره ولم يعرف له خبر وكثر الفحص عليه من قبل الناصري وغيره وهجم في مدة اختفائه على بيوت كثيرة فلم يقف له أحد على خبر. وتكرر النداء عليه والتهديد على من أخفاه فخاف الملك الظاهر من أن يدل عليه فيؤخذ غصبًا باليد فلا يبقى عليه فأرسل أعلم الأمير ألطنبغا الجوباني بمكانه فتوجه إليه الجولاني واجتمع به وأخذه وطلع به إلى الناصري على ما سنذكره. وقيل غير ذلك وهو أنه لما نزل الملك من الإسطبل السلطاني ومعه أبو يزيد المذكور لا غير تبعه نعمان مهتار الطشتخاناه إلى الرميلة فرده الملك الظاهر ومضى هو وأبو يزيد حتى قربا من دار أبي يزيد فتوجه أبو يزيد قبله وأخلى له دارًا ثم عاد إليه وأخفاه فيها. ثم أخذ الناصري يتتبع أثر الملك الظاهر برقوق حتى سأل المهتار نعمان عنه فأخبره أنه نزل ومعه أبو يزيد وأنه لما تبعه رده الملك الظاهر فعند ذلك أمر الناصري حسين بن الكوراني بإحضار أبي يزيد المذكور فشدد في طلبه وهجم بيوتًا كثيرة فلم يقف له على خبر فقبض على جماعة من أصحاب أبي يزيد وغلمانه وقررهم فلم يجد عندهم علمًا به ومازال يفحص على ذلك حتى دله بعض الناس على مملوك أبي يزيد فقبض عليه وقبض ابن الكوراني على امرأة المملوك وعاقبها فدلته على موضع أبي يزيد وعلى الملك الظاهر وأنهما في بيت رجل خياط بجوار بيت أبي يزيد فمضى ابن الكوراني إلى البيت وبعث إلى الناصري يعلمه فأرسل إليه الأمراء. وقيل غير ذلك وجه آخر وهو أن السلطان الملك الظاهر لما نزل من الإسطبل كان ذلك وقت نصف الليل من ليلة الاثنين المقدم ذكرها فسار إلى بحر النيل وعدى إلى بر الجيزة ونزل عند الأهرام وأقام هناك ثلاثة أيام ثم عاد إلى بيت أبي يزيد المذكور فأقام عنده إلى يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الآخرة فحضر مملوك أبي يزيد إلى الناصري وأعلمه أن الملك الظاهر في بيت أستاذه فأحضر الناصري في الحال أبا يزيد وسأله عن الملك الظاهر فاعترف أنه عنده فأخذه ألطنبغا الجوباني وسار به إلى البيت الذي فيه الملك الظاهر برقوق فأوقف أبو يزيد الجوباني بمن معه وطلع هو وحده إلى الملك الظاهر وحدثه الخبر ثم أذن أبو يزيد للجوباني فطلع فلما رآه الملك الظاهر برقوق قام له وهم بتقبيل يديه فاستعاذ بالله الجوباني من ذلك وقال له: يا خوند أنت أستاذنا ونحن مماليكك وأخذ يسكن روعه حتى سكن ما به. ثم ألبسه عمامة وطيلسانًا وأنزله من الدار المذكورة وأركبه وأخذه. وسار من صليبة ابن طولون نهارًا وشق به بين الملأ من الناس إلى أن طلع به إلى الإسطبل السلطاني بباب السلسلة حيث هو سكن الأمير الكبير يلبغا الناصري فأجلس بقاعة الفضة من القلعة. وألزم أبو يزيد بمال الملك الظاهر الذي كان معه فأحضر كيسًا وفيه ألف دينار فأنعم به الناصري عليه وأخلع عليه ورتب الناصري في خدمة الملك الظاهر مملوكين وغلامه المهتار نعمان وقيد بقيد ثقيل وأجرى عليه من سماطه طعامًا بكرة وعشيًا ثم خلع الناصري على الأمير حسام الدين حسن الكجكني باستقراره في نيابة الكرك عوضًا عن مأمور القلمطاوي. ورسم بعزل مأمور وقدومه إلى مصر أمير مائة ومقدم ألف بها. هذا بعد أن جمع الناصري الأمراء من أصحابه وشاورهم في أمر الملك الظاهر برقوق بعد القبض عليه فاختلفت آراء الأمراء فيه فمنهم من صوب قتله وهم الأكثر وكبيرهم منطاش ومنهم من أشار بحبسه وهم الأقل وأكبرهم الجوباني فيما قيل فمال الناصري إلى حبسه لأمر يريده الله تعالى. وأوصى حسام الذين الكجكني به وصايا كثيرة حسب ما يأتي ذكره في محله فأقام الكجكني بالقاهرة في عمل مصالحه إلى يوم تاسع عشر جمادى الآخرة وسافر إلى محل كفالته بمدينة الكرك. وعند خروجه قدم الخبر على الناصري بأن الأمير آقبغا الصغير وآقبغا أستدار آقتمر اجتمع عليهما نحو أربعمائة مملوك من المماليك الظاهرية ليركبوا على جنتمر نائب الشام ويملكوا منه البلد فلما بلغ جنتمر ذلك ركب بمماليكه وكبسهم على حين غفلة فلم يفلت منهم إلا اليسير وفيهم آقبغا الصغير المذكور فسر الناصري بذلك وخلع على القاصد. ولما وصل هذا الخبر إلى مصر ركب منطاش وجماعة من أصحابه إلى الناصري وكلموه بسبب إبقاء الملك الظاهر وخوفوه عاقبة ذلك ولا زالوا به حتى وافقهم على قتله بعد أن يصل إلى الكرك ويحبس بها واعتذر إليهم بأنه إلى الآن لم يفرق الاقطاعات والوظائف لاضطراب المملكة وأنه ثم من له ميل للظاهر في الباطن وربما يثور بعضهم عند قتله وهذا شيء يحرك في أي وقت كان حتى قاموا عنه ونزلوا إلى دورهم. ثم أخذ الناصري في اليوم المذكور يخلع على الأمراء باستقرارهم في الإمريات والإقطاعيات فاستقر بالأمير بزلار العمري الناصري حسن في نيابة دمشق والأمير كمشبغا الحموي اليلبغاوي في نيابة حلب وبالأمير صنجق الحسني في نيابة طرابلس وبالأمير شهاب الدين أحمد بن محمد الهيدباني في حجوبية طرابلس الكبرى. ثم في حادي عشرينه عرض الأمير الكبير يلبغا الناصري المماليك الظاهرية وأفرد من المستجدين مائتين وثلاثين مملوكًا لخدمة السلطان الملك المنصور حاجي صاحب الترجمة وسبعين من المشتروات أنزلهم بالأطباق وفرق من بقي على الأمراء وكان العرض بالإسطبل وأنعم على كل من آقبغا الجمالي الهيدباني أمير آخور ويلبغا السودوني وتنبك اليحياوي وسودون اليحياوي بإمرة عشرة في حلب - وهؤلاء الأربعة ظاهرية من خواص مماليك الملك الظاهر برقوق - ورسم بسفرهم مع الأمير كمشبغا الحموي نائب حلب. ثم في ليلة الخميس ثاني عشرين جمادى الآخرة رسم الناصري بسفر الملك الظاهر برقوق إلى الكرك فأخرج من قاعة الفضة في ثلث الليل من باب القرافة أحد أبواب القلعة ومعه الأمير ألطنبغا الجوياني فأركبوه هجينًا ومعه من مماليكه أربعة مماليك صغار على هجن وهم قطلوبغا الكركي وبيغان الكركي وآقباي الكركي وسودون الكركي والجميع صاروا في سلطنة الملك الظاهر الثانية بعد خروجه من الكرك أمراء وسافر معه أيضًا مهتاره نعمان وسار به الجوباني إلى قبة النصر خارج القاهرة وأسلمه إلى الأمير سيف الدين محمد بن عيسى العائدي فتوجه به إلى الكرك من على عجرود حتى وصل به إلى الكرك وسلمه إلى نائبها الأمير حسام الدين الكجكني وعاد بالجواب فأنزل الكجكني الملك الظاهر بقاعة النحاس من قلعة الكرك وكانت ابنة الأتابك يلبغا العمري الخاصكي أستاذ الملك الظاهر برقوق زوجة مأمور المعزول عن نيابة الكرك هناك فقامت للملك الظاهر برقوق بكل ما يحتاج كونه مملوك أبيها يلبغا مع أن الناصري أيضًا مملوك أبيها غير أنها حبب إليها خدمة الملك الظاهر ومدت له سماطًا يليق به ثم إن الكجكني أيضًا اعتنى بخدمته لما كان أوصاه الناصري به قبل خروجه من مصر ومن جملة ما كان أوصاه الناصري وقرره معه أنه متى حصل له أمر من منطاش أو غيره فليفرج عن الملك الظاهر برقوق من حبس الكرك فاعتمد الكجكني على ذلك وصار يدخل إليه في كل يوم ويتلطف به ويعده أنه يتوجه معه إلى التركمان فإنه له فيهم معارف وحصن قلعة الكرك وصار لا يبرح من عنده نهاره كله ويأكل معه طرفي النهار سماطه ولا زال على ذلك حتى أنس به الملك الظاهر وركن له حسب ما يأتي ذكره. وأما الناصري فإنه بعد ذلك خلع على جماعة من الأمراء فاستقر بالأمير قطلوبغا الصفوي في نيابة صفد وبالأمير بغاجق في نيابة ملطية ثم رسم فنودي بالقاهرة بأن المماليك الظاهرية يخدمون مع نواب البلاد الشامية ولا يقيم أحد منهم بالقاهرة ومن تأخر بعد النداء حل ماله ودمه للسلطان ثم نودي بذلك من الغد ثانيًا. وفي رابع عشرينه برز النواب إلى الريدانية للسفر بعد أن أخلع الناصري على الجميع خلع السفر. ثم في سادس عشرينه خلع السلطان الملك المنصور على الأمير يلبغا الناصري باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية وأن يكون مدبر المملكة وعلى الأمير ألطنبغا الجوباني باستقراره رأس نوية الأمراء وظيفة بركة الجوباني وعلى الأمير قرادمرداش الأحمدي وأستقر أمير سلاح وعلى الأمير أحمد بن يلبغا واستقر أمير مجلس على عادته أولًا وعلى الأمير تمرباي الحسني واستقر حاجب الحجاب وخلع على القضاة الثلاثة باستمرارهم وهم: القاضي شمس الدين محمد الطرابلسي والقاضي جمال الدين عبد الرحمن بن خير المالكي والقاضي ناصر الدين نصر الله الحنبلي ولم يخلع على قاضي القضاة ناصر الدين ابن بنت ميلق الشافعي لتوعكه ثم خلع على القاضي صدر الدين المناوي مفتي دار العدل وعلى القاضي بدر الدين محمد بن فضل الله كاتب السر الجميع باستمرارهم. وفي هذا اليوم سافر نواب البلاد الشامية وسافر معهم كثير من التركمان وأجناد الشام وأمرائها وفيه نودي أيضًا بألا يتأخر أحد من مماليك الملك الظاهر برقوق إلا من يكون بخدمة السلطان ممن عين ومن تأخر بعد ذلك شنق ثم نودي على التركمان والشاميين والغرباء بخروجهم من الديار المصرية إلى بلادهم. وفي يوم الخميس خلع الناصري على الأمير آقبغا الجوهري باستقراره أستادارًا وعلى الأمير آلابغا العثماني دوادارًا كبيرًا وعلى الأمير آلطنبغا الأشرفي رأس نوبة ثانيًا وهي الآن وظيفة رأس نوبة النوب وعلى الأمير خلبان العلائي حاجبًا وعلى الأمير بلاط العلائي أمير جاندار وعلى شهري نائب دوركي باستمراره. ثم في سلخ جمادى الآخرة فرق الناصري المثالات على الأمراء المقدمين وجعلهم أربعة وعشرين تقدمة على العادة القديمة: أراد بذلك أن يظهر للناس ما أفسده الملك الظاهر برقوق في أيام سلطنته من قوانين مصر فشكره الناس على ذلك. ثم نودي بالقاهرة بالأمان: ومن ظلم من مدة عشرين سنة فعليه بباب الأمير الكبير يلبغا الناصري ليأخذ حقه. ثم في يوم السبت أول شهر رجب وقف أول النهار زامر على باب السلسلة تحت الإسطبل السلطاني حيث هو سكن الناصري وزعق في زمره فلما سمعه الناس اجتمع الأمراء والمماليك في الحال وطلعوا إلى خدمة الناصري ولم يعهد هذا الزمر بمصر قبل ذلك على هذه الصورة وذكروا أنها عادة ملوك التتار إذا ركبوا يزعق هذا الزامر بين يديه وهو عادة أيضًا في بلاد حلب فاستغرب أهل مصر ذلك واستمر في كل يوم موكب. وفيه أيضًا رسم الناصري أن يكون رؤوس نوب السلاحدارية والسقاة والجمدارية ستة لكل طائفة على ما كانوا أولًا قبل سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين فإن الأشرف هو الذي استقر بهم ثمانية. وخلع الناصري على قطلوبغا الفخري باستقراره نائب قلعة الجبل عوضًا عن الأمير بجاس. وفي خامسه قدم الأمير نعير بن حيار بن مهنأ ملك العرب إلى الديار المصرية ولم يحضر قط في أيام الملك الظاهر برقوق وقصد بحضوره رؤية الملك المنصور وتقبيل الأرض بين يديه فخلع السلطان عليه ونزل بالميدان الكبير من تحت القلعة وأجرى عليه الرواتب. وفيه خلع على الأمير آلابغا العثماني الدوادار الكبير باستقراره في نظر الأحباس مضافًا لوظيفته وخلع أيضًا على قرقماس الطشتمري واستمر خازندارا. وفي ثامنه خلع على الأمير نعير خلعة السفر. وأنعم على الطواشي صواب السعدي شنكل بإمرة عشرة واسترجعت منه إمرة طبلخاناه ولم يقع مثل ذلك أن يكون مقدم المماليك أمير عشرة. وفيه خلع السلطان الملك المنصور على شخص وعمله خياط السلطان فطلبه الناصري وأخذ منه الخلعة وضربه ضربًا مبرحًا وأسلمه لشاد الدواوين ثم أفرج عنه بشفاعة الأمير أحمد بن يلبغا أمير مجلس فشق ذلك على الملك المنصور وقال: إذا لم ينفذ مرسومي في خياط فما هذه السلطنة. ثم سكت على مضض. وفي أول شعبان أمر المؤذنون بالقاهرة ومصر أن يزيدوا في الأذان إلا أذان المغرب: الصلاة والسلام عليك يا رسول الله عدة مرات. وسبب ذلك أن رجلًا من الفقراء المعتقدين سمع في ليلة الجمعة بعد أذان العشاء: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكان العادة في ليلة الجمعة بعد أذان العشاء يصلي المؤذنون على النبي صلى الله عليه وسلم مرارًا على المئذنة فلما سمع الفقير ذلك قال لأصحابه الفقراء: أتحبون أن تسمعوا هذا في كل أذان قالوا: نعم فبات تلك الليلة وأصبح وقد زعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه يأمره أن يقول لمحتسب القاهرة نجم الدين الطنبدي أن يأمر المؤذنين أن يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم عقيب كل أذان فمشى الشيخ إلى المحتسب المذكور وقص عليه ما رآه فسره ذلك وأمر به فبقي إلى يومنا هذا. ثم إن الناصري أنزل السبعين الذين قررهم بالأطباق من مماليك برقوق وفرقهم على الأمراء ورسم أيضًا بإبطال المقدمين والسواقين من الطواشية ونحوهم وأنزلهم من عند الملك المنصور فاتضح أمر السلطان الملك المنصور وعرف كل أحد أنه ليس له أمر ولا نهي في المملكة. الفتنة بين الأمير الكبير يلبغا والأمير تمربغا الأفضلي المدعو منطاش: ولما كان سادس عشر شعبان أشيع في القاهرة بتنكر منطاش على الناصري وانقطع منطاش عن الخدمة وأظهر أنه مريض ففطن الناصري بأنه يريد أن يعمل مكيدة فلم ينزل لعيادته وبعث إليه الأمير ألطنبغا الجوباني رأس نوبة كبيرًا في يوم الاثنين سادس عشر شعبان المذكور ليعوده في مرضه فدخل عليه وسلم عليه وقضى حق العيادة وهم بالقيام فقبض عليه منطاش وعلى عشرين من مماليكه وضرب قرقماس دوادار الجوباني ضربًا مبرحًا مات منه بعد أيام. ثم ركب منطاش حال مسكه للجوباني في أصحابه إلى باب السلسلة وأخذ جميع الخيول التي كانت واقفة على باب السلسلة. وأراد اقتحام الباب ليأخذ الناصري على حين غفلة فلم يتمكن من ذلك وأغلق الباب ورمى عليه مماليك الناصري من أعلى السور بالنشاب والحجارة فعاد إلى بيته ومعه الخيول وكانت داره دار منجك اليوسفي التي اشتراها تمربغا الظاهري الدوادار وجددها بالقرب من مدرسة السلطان حسن ونهب منطاش في عوده بيت الأمير آقبغا الجوهري الأستدار وأخذ خيوله وقماشه. ثم رسم منطاش في الوقت لمماليكه وأصحابه بالطلوع إلى مدرسة السلطان حسن فطلعوا إليها وملكوها وكان الذي طلع إليها الأمير تنكزبغا رأس نوبة والأمير أزدمر الجو كندار دوادار الملك الظاهر برقوق في عدة من المماليك وحمل إليها منطاش النشاب والحجارة ورموا على من كان بالرميلة من أصحاب الناصري من أعلى المئذنتين ومن حول القبة فعند ذلك أمر الناصري مماليكه وأصحابه بلبس السلاح وهو يتعجب من أمر منطاش كيف يقع منه ذلك وهو في غاية من قلة المماليك وأصحابه. وبلغ الأمراء ذلك فطلع كل واحد بمماليكه وطلبه إلى الناصري. وأما منطاش فإنه أيضًا تلاحقت به المماليك الأشرفية خشداشيته والمماليك الظاهرية فعظم بهم أمره وقوي جأشه. فأما مجيء الظاهرية إليه فرجاء لخلاص أستاذهم الملك الظاهر برقوق وأما الأشرفية فهم خشداشيته لأن منطاش كان أشرفيًا ويلبغا الناصري يلبغاويًا خشداشًا لبرقوق. وانضمت اليلبغاوية على الناصري وهم يوم ذاك أكابر الأمراء وغالب العسكر المصري وتجمعت المماليك على منطاش حتى صار في نحو خمسمائة فارس معه بعدما كان في سبعين فارسًا في أول ركوبه ثم أتاه من العامة عالم كبير فترامى الفريقان واقتتلا. ونزل الأمير حسام الذين حسين بن الكوراني والي القاهرة والأمير مأمور حاجب الحجاب من عند الناصري ونودي في الناس بنهب مماليك منطاش والقبض على من قدروا عليه منهم وإحضاره إلى الناصري فخرج عليهما طائفة من المنطاشية فضربوهما وهزموهما فعادوا إلى الناصري وسار الوالي إلى القاهرة وأغلق أبوابها. واشتد الحرب وخرج منطاش في أصحابه وتقرب من العامة ولاطفهم وأعطاهم الذهب فتعصبوا له وتزاحموا على التقاط النشاب الذي يرمى به من أصحاب الناصري على منطاش وأتوه به وبالغوا في الخدمة لمنطاش حتى خرجوا عن الحد فكان الواحد منهم يثب في الهواء حتى يخطف السهم قبل أن يأخذه غيره ويأتي به منطاش وطائفة منهم تنقل الحجارة إلى أعلى المدرسة الحسنية واستمروا على ذلك إلى الليل فبات منطاش ليلة الثلاثاء سابع عشر شعبان على باب مدرسة السلطان حسن المذكورة والرمي يأتيه من القلعة من أعوان الناصري. هذا والمماليك الظاهرية تأتيه من كل فج وهو يعدهم ويمنيهم حتى أصبح يوم الثلاثاء وقد زادت أصحابه على ألف فارس كل ذلك والناصري لا يكترث بأمر منطاش ولا يصلح أمره وإنما يقبل على التراخي استخفافًا بمنطاش وحواشيه يحرضونه على سرعة قتال منطاش ويحذرونه التهاون في أمره. ثم أتى منطاش طوائف من مماليك الأمراء والبطالة وغيرهم شيئًا بعد شيء فحسن حاله بهم واشتد بأسه وعظمت شوكته بالنسبة لما كان فيه أولًا لا بالنسبة لحواشي الناصري ومماليكه فعند ذلك ندب الناصري الأمير بجمان والأمير قرابغا الأبو بكري في طائفة كبيرة ومعهم المعلم شهاب الدين أحمد بن الطولوني المهندس وجماعة كبيرة من الحجارين والنقابين لينقبوا بيت منطاش من ظهره حتى يدخلوا منه إلى منطاش ويقاتلوه من خلفه والناصري من أمامه ففطن منطاش بهم فأرسل إليهم في الحال عدة من جماعته قاتلوهم حتى هزموهم وأخذوا قرابغا وأتوا به إلى منطاش فرتب الناصري عدة رماة على الطبلخاناه السلطانية وعلى المدرسة الأشرفية التي هدمها الملك الناصر فرج وجعل الملك المؤيد مكانها بيمارستانًا في الصوة فرموا على منطاش بالمدافع والنشاب فقتل عدة من العوام وجرح كثير من المنطاشية. هذا وقد انزعج الناصري وقام بنفسه وهيأ أصحابه لقتال منطاش وندب من أصحابه من أكابر الأمراء جماعة لقتاله وهم الأمير أحمد بن يلبغا أمير مجلس والأمير جمق ابن الأتابك أيتمش البجاسي في جمع كبير من المماليك فنزلوا وطردوا العامة من الرميلة فحملت العامة من أصحاب منطاش عليهم حملة واحدة هزموهم فيها أقبح هزيمة. ثم عاد أحمد بن يلبغا المذكور غير مرة واستمر القتال بينهما إلى آخر النهار والرمي والقتال عمال من القلعة على المدرسة الحسنية ومن المدرسة على القلعة. وبينما هم في ذلك خرج من عسكر الناصري الأمير آقبغا المارديني بطلبه وصار إلى منطاش فتسلل الأمراء عند ذلك واحدا بعد واحد وكل من يأتي منطاش من الأمراء يوكل به واحد يحفظه ويبعث به إلى داره ويأخذ مماليكه فيقاتل الناصري بهم. فلما رأى حسين بن الكوراني الوالي جانب الناصري قد اتضع خاف على نفسه من منطاش واختفى فطلب منطاش ناصر الدين محمد بن ليلى نائب حسين ابن الكوراني وولاه ولاية القاهرة وألزمه بتحصيل النشاب فنزد في الحال إلى القاهرة وحمل إليه كثيرًا من النشاب. ثم أمره منطاش فنادى بالقاهرة بالأمان والاطمئنان وإبطال المكس والدعاء للأمير الكبير منطاش بالنصر.
|